عندما يزور المسلم المقابر أو يمرُّ من أمامها لابد أن تتحرك مشاعره ووجدانه أمام هذا المشهد، لابد أن يُجمح غروره، وطول أمله؛ لأنَّه سيتذكر من كان معه من الأهل والأصدقاء الذين سبقوه إلى هذه القبور، كيف كانوا، وإلى أين صاروا، وماذا يتمنون لو قُدِّر لهم العودة إلى الدنيا.

هذه المشاهد التي بين أحيائنا ونمر عليها في كل يوم جُعلت لنا دلائل ومعالم تقودنا وتذكرنا بالغاية التي خلقنا من أجلها، فهي علامة وشعار لتلك الدار الآخرة التي لا ينال نعيمها ولذتها وسعادتها إلا أهل التقوى.

والناظر إلى سنة النبي ﷺ يجد أنَّ زيارة المقابر كانت ضمن برنامجه في تذكر الآخرة، والدعاء لأصحابه الذين سبقوه، فقد كان يَخرُجُ في آخرِ اللَّيلِ إلى البقيعِ فيدعو لهم ،وزارَ قبرَ أُمِّه، فبكى وأبكى مَنْ حَوْلَه، وقال:زوروا القبورَ؛فإنَّها تُذَكِّرُكم الموتَ» وكان يعلّمُ أصحابه ما يقال عند زيارتهم للمقابر،: (السَّلامُ عليكم أهْلَ الدِّيارِ من المؤمنينَ والـمسلمينَ، وإنَّا إنْ شاءَ الله لَلاحِقونَ، أسأَلُ الله لنا ولكم العافِيةَ).

والقبور فيها مواعظ وعبر لأصحاب القلوب الحية، فهذا عثمان كان ‏إذا وقف على قبر بكى حتى يبلَّ لحيته، ويقول: إن رسول الله ﷺ ‏قال:‏ «‏إن القبر أول منزل من منازل الآخرة؛ فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه».

إنَّ مما يحزن في هذه الأيام أن لا ترى هذه المعاني، وهذه المشاعر في كثير ممن يشيعون الجنائز، فتجدهم يخوضون في أحاديث الدنيا، ويعبثون في أجهزة الاتصال، وقد ترى من يضحك ويمازح صديقه، وهذا لا شك أنَّه من الغفلة والتقصير والحرمان، الذي من أسبابه قسوة القلوب الناشئة عن الذنوب والمعاصي.
ما أحوجنا ونحن نتردد على هذه المقابر عند زيارتها وعند شهود الجنائز إلى استحضار هذه المعاني، ولنجعل منها حافزاً لطاعة الله تعالى، وزاجراً عن المعاصي والتقصير في حدود الله تعالى.

ونحرص عند شهودها على آدابها؛ من السلام على أهل القبور، واحترام القبور، وعدم الجلوس والاتكاء عليها والمشي عليها، وأن لا نرفع فيها الصوت، ولا ننشغل في أحاديث الدنيا، بل نجعل من زيارتها سبباً في الدعاء والاستغفار لأصحابها، وطريقاً إلى الاستعداد والسير إلى الله والدار الآخرة.

قسم البحوث وشئون المساجد
إدارة الأوقاف السنية