مقتضيات المواطنة الصالحة

تم الإرسال في 19‏/12‏/2022، 10:24 م بواسطة إدارة الأوقاف السنية - مملكة البحرين   [ تم تحديث 19‏/12‏/2022، 10:57 م ]
تألف النفس وتشتاق إلى المكان الذي ولدت وعاشت فيه، فهذا أمرٌ مفطور في جميع البشر، فمحبةُ الأوطان جِبِلَّةٌ في النفوس لا يستطيع أحدٌ أن يتجاوزها أو ينساها، بل إنَّ الناظر في نصوص القرآن يجدُ أنَّ الإخراج من الأوطان مقرونٌ بقتل النفس، كما قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾[النساء:66].
ولما هاجر النبي ﷺ من مكة إلى المدينة وقف مودعاً لها، وهو يقول ﷺ:" واللَّهِ إنَّكِ لخيرُ أرضِ اللَّهِ، وأحبُّ أرضِ اللَّهِ إلى اللَّهِ، ولولا أنِّي أُخرِجتُ منكِ ما خرجتُ".
وهكذا كان حال أصحابه رضي الله عنهم عندما نزلوا المدينة، وأصابتهم الحمى، فكانوا يرتجزون الأشعار شوقاً إلى موطنهم الأصلي، ومن ذلك ما جاء عن بلال بن رباح رضي الله عنه أنه كان إذا اشتدت به الحمى يقول:
ألا لَيْتَ شِعري هل أبيتَنَّ ليلةً بفَجٍّ وحولي إِذخِرٌ وجليلُ ، يَحِنُّ لمكةَ وأوديتها وشعابها وموارد الماء فيها، فلمَّا رأى النبيﷺ حنين الصحابة لمكة، دعا الله أن يحبب إليهم المدينة، فقال: ( اللَّهمَّ حبِّبْ إلينا المدينةَ كما حبَّبْتَ إلينا مكَّةَ أو أشَدَّ).
هذه الحقائق والمشاهد تقودنا إلى أن الإنسان لابد أن يكون له أثرٌ إيجابي في وطنه وبلده، وهو ما يعبر عنه بالمواطنة الصالحة التي ينشأ عنها الحقوق والواجبات المتبادلة بين الإنسان ووطنه، وتعبر وتدل على انتمائه له. وأعظم هذه الحقوق عمارة الأوطان بطاعة الله تعالى واجتناب معصيته، فبها الاستقرار وبها تتنزل الخيرات والبركات، قال سبحانه: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾[الأعراف:96]، وبالمقابل فالذنوب والمعاصي سببٌ لظهور الفساد في الأوطان، قال سبحانه: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾[الروم:41].
Comments