السكينة والوقار في بيوت الله

تم الإرسال في 01‏/01‏/2023، 10:30 م بواسطة إدارة الأوقاف السنية - مملكة البحرين
المساجد بيوت الله تعالى، وأفضل الأماكن على الإطلاق، ومن أعظم مقاصدها تحقيق التوحيد والعبودية لله تعالى، بأداء العبادات والطاعات فيها، وإظهار شعائر وذكر الله تعالى بها، وتعليم القرآن والأحكام الشرعية، وتزكية النفوس وتهذيبها على الفضائل والأخلاق. وقد أمر الله الخليل ابراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام بتهيئة وتطهير المساجد لهذه المقاصد العظيمة، قال سبحانه وتعالى :﴿ وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾[البقرة:125].

وهذه العبادات والمقاصد العظيمة لُبُّها الحضور وخشوع القلب والذي لا يتحقق إلا بالهدوء والسكينة إذ في غيابه تشويش للذهن وارباك للفكر؛ ولذا جاءت السنة النبوية بالعديد من الوصايا والآداب التي تعزز هذا الأصل، فمنها النهي عن البيع والشراء في المسجد، والنهي عن البحث عن المفقودات فيه، فعن أَبِي هُرَيْرَةَﭬ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺقَالَ: (إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقُولُوا: لاَ أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالَّةً، فَقُولُوا: لاَ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ) أخرجه الترمذي.

ومن الآداب عدم رفع الصوت في المسجد، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍﭬ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: (لِيَلِنِي مِنْكُمْ، أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثَلَاثًا، وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ) رواه مسلم، وهيشات الأسواق: أي: اختلاطها، والمنازعة، والخصومات، وارتفاع الأصوات، واللغط، والفتن التي فيها.

بل جاء النهي عن رفع الصوت بالقرآن إذا كان يشغل المصلين ، كما جاء في موطأ الإمام مالك عَنِ الْبَيَاضِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺخَرَجَ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَقَدْ عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُصَلِّيَ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلْيَنْظُرْ بِمَا يُنَاجِيهِ بِهِ، وَلَا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ»، قال الإمام الباجي المالكي رحمه الله: "وَإِذَا كَانَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مَمْنُوعًا حِينَئِذٍ؛ لإذاية الْمُصَلِّينَ، فَبِأَنْ يُمْنَعَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْحَدِيثِ، وَغَيْرِهِ، أَوْلَى وَأَحْرَى.. لِأَنَّ فِي ذَلِكَ اسْتِخْفَافًا بِالْمَسَاجِدِ، واطراحًا لِتَوْقِيرِهَا، وَتَنْزِيهِهَا الْوَاجِبِ، وَإِفْرَادِهَا لِمَا بُنِيَتْ لَهُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى".
Comments